فلسفة كافكا :عندما تختلط الأحلام بالواقع
كانت هذه هي خطوتي الأولى نحو عالم الروائي هاروكي موراكامي الياباني المعاصر ، وكانت بدايتي هذه أشبه ما تكون بدويٌّ هائل داخل عقلي ، الكثير من التساؤلات والأفكار التي راودتني أثناء قراءتي وأهمها الولوج إلى النقطة الأعمق من الحياة (الفلسفة) .. حيثما يكون هناك دائمًا مجال لترك الأحداث تسير على سجيّتها .
كافكا يبحث عن ذاته
بدأت القصة عندما هيئت نفسي لمرافقة المدعو كافكا ابن الخامسة عشر رحلته أثناء فراره من المنزل للبحث عن ذاته ، فوجدته هالكٌ لا محالة من فرط الاحتمالات والتصورات الفكرية الغريبة التي نشأت بداخله من ماضٍ بائس فات الأوان للتصالح معه ،وفيما نحن ماضين في رحلتنا حتي تأخذنا الأحداث بعيدًا وتعود بنا إلى الحرب العالمية الثانية ،قد تجد في بداية الأمر بأن كل ما تقرأه محض هراء ولكن دعني أخبرك عزيزي القارئ بأن للحكاية بعدٌ ثالث يحمل إلينا عجوزٌ لطيف ،بطيء التفكير ويملك القدرة للتحدث مع القطط!
المزج بين الحقيقة والخيال
هناك ترابط عجيب لم أستطع أن اتصوره ولكنه في نفس الوقت يتناسق مع مجرى الأحداث ،فاتخذت الرواية منحى غير متوقع جعلت الأحداث تدور ضمن فكرة الواقعية السحرية والتي تعتمد على المزج بين الحقيقة والخيال،فيبدأ سيلٌ كثيف من التفاصيل التي تجعل من الرواية عملٌ أدبي زاخر بالدلالات التاريخية، والأدبية ،والموسيقية ، والكلاسيكية بل وحتى المعاصرة ،كما كانت هناك عدة حوارات تشير إلى الثقافة الشعبية اليابانية باختلاطٍ رهيب مع الثقافة الغربية على حد سواء ، وهذا أكثر ما شدَّ انتباهي في شخصية الكاتب الدالة على معرفته بمجالات عدة وربطها ببعض دون الإحساس بعدم التناسق وتسلسلية الأحداث.
دعوة فلسفية روائية
تركز الرواية على جمعٌ كبير من الأفكار الفلسفية ومنها البحث المستمر عن المعنى والوجود ،مبينة عجزنا الشديد عن دفع الظواهر المحيطة بنا أو التي من الممكن أن تحدث لنا من تفسيرات مطلقة وفي ذات الوقت قد تغير هدفها من مجرد أفكار فلسفية إلى التأثير على رمزية الأحداث وتشكيل عنصر مهم في الرواية، كالدم في جميع الفصول الثلاثة ذُكر الدم بثلاثة رمزيات مختلفة من العنف الكامن في اللاوعي الإنساني لتصبح في حدث آخر تعبير عن استمرارية دورة الحياة حتى تصل إلى التذكير بعجز الانسان وهشاشته .
كما أنها تشير إلى عدة متناقضات ويحاول الكاتب مزاوجة الصدفة بالارادة الحرة وينتهي بنا المطاف إلى الحتمية والعجز مرة أخرى , أرى بأن للرواية أبعادٌ كثيرة من الصعب علينا فهمها جميعها وتفكيك أحداثها ورسالتها المبطنة إلا بعد التمعن أكثر في ماهية الأحداث والمضي مع سير الأحداث بعيدًا عن المنطقية المفرطة والخيال الوسع ،فهو يترك لنا الخيار في تحديد النهاية التي سنصل إليها من خلال قراءتنا ولا يستطيع بأن يفرض علنيا النهاية عنوة
اسطورة اوديب ولعنة كافكا تامورا
تمثل الرواية اسطورة الملك اوديب ولكن بشكل معاصر ،حيث تشكل الدوافع الجنسية محركًا مهمًا في تقدّم أحداث الرواية ،ومن هنا تبدأمعاناة كافكا في وقوفه أمام حتمية حدوث اللعنة التي أخبره عنها أبيه وأكّد على حدوثها حتى ولو عن طريق شخص آخر في عالم وزمان آخرين، ومما يدعو للدهشة أيضًا أن رمزية اسم (كافكا) له معنى مختلف فمعنى الاسم هو (الغراب )بالتشيكية وبينما في نفس الوقت يرمز طائر الغراب إلى التدخل الإلهي في حياة الانسان،كما أن حلم كافكا بأن يصبح أقوى فتى في الخامسة عشر؛ تبرز المفارقة هنا بين رغبة الانسان في المجابهة والتحدي من جهة وبين حتمية قدره من جهة أخرى .
وأخيرًا لازال هناك الكثير لقوله لم أستطع كتابة أكثر من ذلك وظننت بأنني سأبدأ بحرق الأحداث لتحليلها وتفكيكها، هذا ما يتطلبه أدب الرواية دائمًا بأن نكون متيقظين تمامًا أثناء قراءتنا حول تصرفات ودوافع وأعماق النفس البشرية ،الرواية تمتد إلى تفرعاتً كثيرة ويصبح النقاش والكتابة عنها أطول مما تتخيل هناك الكثير من الاسقاطات الرمزية وبعض الضحايا الاجتماعية والدوافع الإنسانية،وأيضًا فلسفة عميقة تختبئ خلف معاني الكلمات المجردة ،وعلى ما يبدو أن السريالية تكاد تأكل أحداث الرواية ، كانت بداية موفقة واختيار جيد لفهم أسلوب هاروكي موراكامي بشكل صحيح على الرغم من أنني لم أفهم حتى الآن بعض الأمور ولكن هذا ما يميز هاروكي بأن يجعلك في النهاية لا تفهم الأمر لتصلك رسالة عميقة تدل على عبثية وتناسق الأمر دائمًا وأبدًا.
أفضل مراجعة قرأتها للكتاب🖤
ردحذف