سلسلة فندق باب السماء
برهان شاوي "ديستويفسكي" القرن الواحد والعشرون
سلسلة فندق باب السماء
في فجر اليوم العشرون من أغسطس كنت قد أنهيت قراءتي الأولى لهذه السلسلة المُوجِعة
لم تكن هذه الرواية هي مفتاحي للدخول إلى عالم برهان شاوي فقد قرأت منذ سنوات قليلة رواية له بعنوان "مشرحة بغداد" كان برهان يحاول أن يأخذني إلى عالم ما وراء المثالية ، كان يريد بكل ما أوتي أن يصف لي الجانب المخفي من هذا العالم البائس ،و أنا بدوري تركت روحي تنسجم مع أحرفه وسمحت لقلبي بالإنصات لما كان يكتبه ،كيف لا وهو المغترب بإرادته والشاهد على حربٍ لا تهدأ و الساعي خلف تبيان دناءة الثالوث المحرم ..
آدم وحواء
قام الكاتب بتسمية جميع شخصياته الذكور باسم آدم ويصاحبه لقب يتعلق بدور الشخصية وسيرها في الاحداث وكذلك مع المرأة فقد أطلق على كل منهن اسم حواء مع لقبها وهذا فيه إشارة ليكن كل من يقبع في هذا العالم مجرد آدمي وحوائي ، يقول برهان شاوي "تشكل الشخصية الروائية عملية نفسية وجمالية وفكرية في غاية التعقيد وليست رسمًا كاريكاتوريًا واستنساخًا من الواقع دون محسنات جمالية وإبداعية"، وبناء على ذلك برع الكاتب في جعل الرواية ترتكز على عدة حكايات متداخلة يرتبط كل منها بالآخر فقد كدت أتوه من فرط الأحداث القلقة وذلك الجو الكابوسي الذي يتلبس واقعنا بشكل مرعب فآدم هذا يتعلق بآدم آخر مختلف كليًا عن الذي سبقه وفي كل شخصية يبهرني الكاتب بالتوغل إلى أعماق نفسيته حيث يبدأ بالتعريف عن اسمه وينتهي بتساؤلات الضمير التي هي أعمق مما نتخيل ، وهذا ما جعلني في حالة من الذهول عندما وجدت الكاتب يخوض في النفس البشرية لتلك الدرجة التي تجعلنا نتساءل عن ماهية الإنسان ،لطالما كان الانسان كتلة من المتناقضات ،خليطٌ مخيف من حسنات الخير وسيئات الشر وكما قرأت في مقالة تتحدث عن الكاتب يقول فيها "إن قراءة روايات برهان شاوي أشبه ما تكون (بتفكيك هياكل عملاقة ) في الصميم،انطلاقًا من رحابة جغرافيتها وتنوّع أهواء الشخصيات رغم وحدة الاسماء "
الثالوث المحرم (الجنس ـ الدين ـ السياسة )
احتوت الرواية على العديد من المشاهد الجنسية التي قد لا تناسب البعض ولم يُكتب تحذير أو ملاحظة بهذا الشأن ولا أنكر إنزعاجي الشديد منها ،أيضًا تعمق الكاتب في وصف قضايا الشرف التي تتعلق بالجنس كالاغتصاب، وزنا المحارم ،والبيدوفيليا ،فقد حاول بقدر الإمكان أن يوضح لنا بأن رغبة الإنسان في كثير من الأحيان تجعله إنسان بلا قيمة إنسانية و أن كل قضية هي في الحقيقة ترتبط بالأخرى فالاغتصاب يجرُّ معه الكذب والشك والنفاق ويقع الشخص في انهيار أخلاقي ومجتمعي أيضًا عندما يبدأ باقتراف الجرائم آخذًا من الشرف حجة واهية لتعينه على مواصلة دناءته الحيوانية والمتنحية عن الفطرة ،إن ما جعلني أشعر بالحزن الشديد بأن كل ما قام الكاتب بوصفه هُنا "حقيقة يعاني منها الكثير في الخفاء" لا يمكننا أن نغض أبصارنا عن قضايا لطالما تَعَامَوا عنها بالتجاهل أو الاعتيادية بالرغم من تزايد الضحايا وتشديد العقوبات إلا أنه ما زال هناك الكثير من المرضى في واقعنا أحرار يجوبون على هذه الأرض بلا رادع ،إنه لمن المؤلم أن اقرأ رواية تصف كل هذه القضايا بتسلسل يتعجب منه القارئ وفي كثير من الاحيان وجدتني أغرق في بحر كبير من التساؤلات ، أتقن برهان شاوي حبكة هدفه ببراعة حيث ارتكزت روايته على الواقع المصاحب للخيال أو كما أسميتها الخيال المنطقي ،وصادف بأنني قرأت إحدى أجوبة برهان عن كيفية دمجه للخيال بالواقع وفرض شخصية غير متوقعة أثناء سير الاحداث كان يقول : أضع شخصية روائية معينة، في مواجهة أحداث جرت لشخص محدد أعرفه، ولا أدري إن كان هذا الشخص الذي استحضره لحظة الكتابة حيًا أو ميتًا..وهذه الأحداث ربما جرت في زمن ما ، سواء جرت معي أو لغيري ..، وربما أضع هذه الشخصية الروائية نفسها في مواجهة أحداث أخرى جرت لشخص آخر أعرفه أيضاً أو ربما سمعت عنه، وهو غير الشخص الأول الذي باح لي بالحدث، أي أنني هنا منحت الشخصية الروائية خبرة وتجارب شخصين مختلفين عاشوا أحداثاً في بلدان مختلفة وفي أزمنة مختلفة..!! لكنها بالنسبة للشخصية الروائية التي اقدمها هي سيرته الشخصية الذاتية والمنسجمة في النص الروائي، ولا علاقة لها بالشخصين اللذين استحضرت ما جرى معهما، وهذا ينسحب على الشخصيات كلها من كلا الجنسين..
يمكنكم أن تتخيلوا عن عدد الشخصيات المبتكرة من خلال قوله هذا ،لن أخفي إعجابي الكامل بقدرة هذا الكاتب على إحداث تغيير كبيرفي مجال الرواية منذ القرن العشرين وما يليه من تناسق في الافكاروترابط في الاحداث وحتى دقة الوصف تطرق الكاتب أيضًا إلى الاحتجاجات العراقية واعتقال العديد من المحتجين بل وخطف الكثير من النساء أثناء تلك الفترة من الضياع والبؤس والكثير من الفساد وتدهور الاوضاع الاقتصادية وبينما هو في خضم هذه الأحداث السياسية كان كعادته يصف بعمق كل ما آل إليه ذلك الوضع من قضايا الفقر ،والبطالة ،وحتى الدين ، تعددت الاديان وتنوعت في الرواية حتى أنني تساءلت كثيرًا في نفسي عن هذا التنوع الكبير في الاديان وكيف يتم التعايش معه وهذا هو أشهر مافي دولة العراق فأجدني تارة أغوص في نفس المتدين المسيحي وفي تارة أخرى أغوص في نفس المتدين المسلم بينما الشخصية الرئيسية كانت بلا دين معين وهنا أيضًا تكمن المتعة حين يواجه القارئ هذا الكم الهائل من التنوع الاجتماعي يصل إلى أن الاختلاف فطرة الإنسان التي نشأ عليها والتي يجب أن يأخذ بها القارئ على محمل الجد ليستطيع أن يسير في هذه الحياة وهو يعي ويوقن بأنه سيجد الكثير ممن قد يخالفونه بالرأي والإيمانات والكثير من المعتقدات..
وأخيرًا أنهي مراجعتي لهذه السلسلة التي لم تكتمل بعد ولكنها أعادتني إلى نفسي ،جعلتني أعيد التفكير بالكثير من الأشياء التي تتعلق بمبادئي واعتقاداتي وقيمتي الإنسانية في هذا العالم ، علمتني بأن الوقوع في الاخطاء ليس بالأمر الجلل ،أخبرتني بأن الحرية شعور هي وعي وليست إرادة فقط ، حفزتني للبحث عن الحقيقة ،وفي ذات الوقت أحبطتني لأن لا وجود لهذه الحقيقة إلا إن توغلنا في أعماقنا حينها فقط يمكن أن نجد حقيقة أنفسنا .
تعليقات
إرسال تعليق